الأربعاء، 1 أبريل 2009

مكافحة العنصرية والتمييز العنصري فى السياق العربى


ورقة خلفية مقدمة إلى
الاجتماع التحضيري العربي لمراجعة ديربان
(القاهرة 28 – 29 مارس/آذار 2009)

مقدمة:
تعتمد هذه الدراسة في تحليلها للقضايا العربية ذات الصلة بأعمال المؤتمر على ثلاثة مؤشرات رئيسية: أولها موقف البلدان العربية من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وخلاصة مناقشاتها مع اللجنة الدولية للقضاء على التمييز العنصري منذ مؤتمر ديربان 2001، وثانيها رد الحكومات العربية على الاستبيان الذي أعدته اللجنة التحضيرية للمؤتمر حول مدى تقدمها في تنفيذ إعلان وبرنامج عمل ديربان، وثالثها قراءة في التحليل العريض لمنظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية والعربية للقضايا الإشكالية في الواقع العربي.

وقد وجد معدو الدراسة بعض الصعوبات في استخدام هذه المؤشرات، كان أولها الاختيار بين استعراض نتائج مناقشة تقارير كل البلدان العربية مع لجنة القضاء على التمييز العنصري أم الاقتصار على تلك التي أعقبت مؤتمر ديربان 2001 والتي تبلغ نحو ثلث البلدان العربية فقط، وقد وقع الاختيار على البديل الأخير رغم أنه يعبر عن عينات وليس شاملا، لأنه يأتي بعد المؤتمر وما نبه إليه، ولأنه يعكس حقبة زمنية ذات خصائص متشابهة على المستوى الدولي والإقليمي منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فضلا عن سبب ثالث مهم وهو تغير البنية الدولية والإقليمية والمحلية التي تمت خلالها مناقشة تقارير البلدان العربية في التسعينيات على نحو يقتضى استعراض كثير من التفاصيل التي تربك التحليل.

وبينما كان يمكن للمؤشر الثاني أن يسد الثغرة بين التحليل القائم على العينة، والتحليل الشامل، فلم يتحقق هذا البعد، حيث أحجمت بعض البلدان العربية عن الرد على الاستبيان، كما جاءت معظم التقارير التي قدمتها- شأن معظم بلدان العالم- أقرب إلى "تقارير نجاح" إذ ركزت على أوجه التقدم وتجاوزت الصعوبات، فجاءت مسطحة لا تعبر عن تضاريس الواقع، ولا تفي بغرض حوار جدي لنمط من المشكلات على هذا النحو من الخطورة.

ويأمل معدو الدراسة أن يعوض المؤشر الثالث للتحليل أوجه القصور تلك إذ يعتمد على مناقشة التحليل العريض لدوائر حقوق الإنسان حول إشكاليات المنطقة، لكن فى عالم جادل طويلاً فيما إذا كان الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق فى العام 2003 احتلالا أم تحريرا، وما إذا كانت أزمة المنطقة هى فى الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني أم فى مقاومته، وما إذا كان تكريس الأمر الواقع استقراراً أم جموداً، يصبح من المرجح أن تظل التحليلات الواردة فى هذه الدراسة مثيرة للجدل.

أولاً: موقف البلدان العربية من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري
1- بتوقيع جيبوتي على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في 14 يونيو/حزيران 2006، تكون البلدان العربية قد انضمت جميعها إلى هذه الاتفاقية المهمة.
2-أوردت 9 بلدان عربية إعلانات وتحفظات على بعض أحكام الاتفاقية، تناولت ما يلي:
أ‌- تحفظ ثمان بلدان على المادة 22 الخاصة بإحالة النزاعات إلى محكمة العدل الدولية (البحرين، العراق، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب، سوريا، اليمن)
ب‌- أكدت سبع بلدان أن انضمامها للاتفاقية لا يمثل اعترافا بإسرائيل أو إقامة علاقات معها. (البحرين، العراق، الكويت، ليبيا، سوريا، الإمارات، اليمن)
جـ- انفرد اليمن بالتنبيه إلى أن المادة 18/ف 1 من الاتفاقية ذات طبيعة تمييزية، ودعا إلى أن يكون الانضمام للاتفاقية مفتوحاً بدون تمييز لكل الدول وبدون أية قيود من أى نوع.
د- انفردت كل من الجزائر( سبتمبر 1989) والمغرب(أكتوبر 2006) بإعلان موافقتها على المادة 14 التي تسمح للجنة مناهضة العنصرية والتمييز العنصري بالنظر في شكاوى الأفراد والمجموعات الذين يَدعون أن حقوقهم التي تحميها الاتفاقية موضع انتهاك.
3- وافقت أربع دول عربية (من بين 39 دولة) على التعديلات المدخلة على الاتفاقية المعتمدة في يناير 1992 وهى : البحرين-سوريا-العراق-السعودية.
4- قدمت (7) بلدان عربية تقاريرها الدورية إلى اللجنة الدولية للقضاء على التمييز العنصري منذ انعقاد مؤتمر ديربان عام 2001 (لبنان-ليبيا-موريتانيا-عمان-اليمن-البحرين-الإمارات) وقد نوقش ست منها حتى إعداد هذا التقرير، فضلا عن إسرائيل بحكم مسئوليتها كقوة احتلال للأراضي الفلسطينية.

وقد أثارت الملاحظات الختامية للجنة مناهضة التمييز، عقب مناقشة تقارير هذه الدول، الجوانب الايجابية والسلبية والتوصيات التالية:

تمثلت أبرز الجوانب الإيجابية التي أشارت إليها اللجنة:
في مناقشتها لتقرير لبنان، رحبت اللجنة بالإيضاح الذي أورده التقرير بأن المعاهدات التي يصادق عليها لبنان أو ينضم إليها تصبح جزءًا من القانون الداخلي حال تبادل صكوك التصديق أو الانضمام، وجهود لبنان الرامية لتعديل قانون العقوبات وضمان الامتثال الكامل للمادة الرابعة من الاتفاقية، وترحيبها بالتدابير المتخذة فيما يخص العمال الأجانب وبخاصة تنظيم عمل الوكالات التي تستقدم عمال الخدمة المنزلية، وبما اتخذته المحاكم من قرارات بعدم مشروعية مصادرة أرباب العمل لجوازات السفر، وأخيراً بترحيبها بإدراج مسألة التثقيف بحقوق الإنسان والتشجيع على التسامح في المناهج الدراسية.

واقتصرت الجوانب الإيجابية التي أبرزتها اللجنة في تقرير ليبيا على جانبين هما: الخطوات التي اتخذتها ليبيا تجاه التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وتلك التي اتخذتها للتصديق على التعديلات التي أدخلت على الاتفاقية.

ورحبت اللجنة بإعلان موريتانيا خطة عمل وطنية لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها وإيداع صكوك التصديق على العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، واتفاقية مناهضة التعذيب، ووضع موريتانيا إطاراً استراتيجياً لمكافحة الفقر عام 2001، وإصدار قانون للقضاء على الاتجار بالأشخاص في 17 يوليو/تموز 2003 والمادة (5) من قانون العمل بشأن حظر السخرة والعمل الجبري في يونيو/حزيران 2004، وبدء عملية تشاوريه لإنشاء لجنة وطنية لحقوق الإنسان.

ورحبت اللجنة بانضمام سلطنة عمان لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والخطوات المتخذة لضمان ممارسة النساء العمانيات لحقوقهن على أساس من المساواة مع الرجال، وتأكيد قانون العمل العماني على المساواة بين جميع العمال دون أي تمييز يقوم على الجنسية أو نوع الجنس أو غيره من أشكال التمييز، وتضمين المناهج المدرسية مقررات تعليمية ترمى لمكافحة التمييز العنصري وتعزيز حقوق الإنسان، وبحث الانضمام للاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين للعام 1951، وإلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وبالنسبة لليمن، أعربت اللجنة عن تقديرها لإنشاء وزارة لحقوق الإنسان في العام 2003، واعتماد سياسة متواصلة للتثقيف والتوعية لأعضاء السلك القضائي والنيابة العامة والموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، وجهودها لإنشاء مؤسسة وطنية، واعتمادها إستراتيجية وطنية للحد من الفقر (2003-2005) تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية للجماعات المهنية والفئات المستضعفة.

وبالنسبة للبحرين، رحبت اللجنة بإجراءات الإصلاح السياسي والاقتصادي التي اتخذتها البلاد، و بخاصة الميثاق الوطني للعام 2001، والتعديلات الدستورية، وإنشاء محكمة دستورية فى 2002، وإنشاء برلمان من غرفتين إحداهما بالانتخاب، وإنشاء نقابات عمالية لأول مرة، وجمعيات ثقافية للاجئين في العام 2002، وتنظيم برامج متعددة لتدريب القضاة وموظفي إنفاذ القانون بشأن تعزيز وحماية حقوق الإنسان في مجال التمييز العنصري، والانضمام إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في العام 2002.

دواعي القلق والتوصيات:
وقد تنوعت بواعث القلق والتوصيات التي خلصت إليها اللجنة في مناقشتها مع الدول العربية الأطراف في الاتفاقية ويمكن إبراز أهم ما تضمنته فيما يلي:
تمثلت أبرز دواعي القلق والتوصيات الخاصة بلبنان في عدم إحراز تقدم في معالجة نظام الطائفية، والقلق من حالة العمال المهاجرين على أرض الواقع وخاصة عمال الخدمة المنزلية، والقلق فيما يتعلق بتمتع السكان الفلسطينيين الموجودين في البلد بجميع الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية على أساس عدم التمييز، وحصر الحصول على الجنسية عن طريق الوالد، وعدم وجود أية تطورات نحو إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان.

وقد أوردت اللجنة خمس توصيات تتعلق بهذه الموضوعات ذاتها، كما أضافت توصيات أخرى تتعلق بدعوة الحكومة اللبنانية للتشاور مع منظمات المجتمع المدني فى مجال مكافحة التمييز العنصري، والنظر في إصدار إعلان بالتزامها بالمادة (14) من الاتفاقية، وتصديقها على التعديل الذي أدخل على الاتفاقية، وأن تدرج في تقريرها التالي معلومات عن التدابير التي تتخذها لتنفيذ إعلان وبرنامج عمل ديربان.

وتناولت دواعى القلق والتوصيات الخاصة بليبيا، اختلاف تقييم ليبيا الذي يصف المجتمع الليبي بالتجانس العرقي، بينما تشير المعلومات إلى أن سكان من الأمزيج والطوارق والأفارقة السود يعيشون في البلد، وعدم تقديم ليبيا معلومات تفصيلية عن غير المواطنين المقيمين في البلد، وتأكيد ليبيا بصورة قاطعة بأنه لا وجود للتمييز العنصري فيها، على الرغم من إمكان وقوع حوادث تمييز عنصري، وعدم وجود تشريع شامل لمنع وحظر التمييز العنصري، ووقوع أعمال عنف نابعة عن مشاعر مناهضة للسود لدى السكان في سبتمبر 2000 ضد عمال مهاجرين أفارقة أدت إلى وفاة كثير من الأشخاص. وعدم تقديم ليبيا رداً محدثاً عن الإجراءات المتخذة لمعاقبة المسئولين عن هذه الأعمال ومنع تكرارها في المستقبل، وطرد الآف من العمال المهاجرين الأفارقة منذ العام 2000، وقلقها من وقوع حالات وفاة للمهاجرين الأفارقة أثناء الانتقال للاستقرار في الجماهيرية أو عبورها في اتجاههم إلى أوروبا، وقلقها من التأثير السلبي للمشاعر المناهضة للسود على أوضاع عملهم وشروط استخدامهم، والحيلولة دون حفظ الأمازيغ لهويتهم الثقافية واللغوية والتعبير عنها. وعدم تقديم معلومات عن وعى السكان بحقوقهم الواردة بالاتفاقية، وعدم كفاية برامج تعليم حقوق الإنسان في المناهج المدرسية. وقد تضمنت توصيات اللجنة، توصيات بشأن هذه الموضوعات جميعها كما أضافت توصيات أخرى تتعلق بدعوة ليبيا لالتزامها بالمادة (14) من الاتفاقية والاستفادة من المساعدات التقنية المتاحة، وخطط عملها لتنفيذ إعلان وبرنامج عمل ديربان.

وبالنسبة لموريتانيا أشارت اللجنة إلى أن التقرير لا يعكس التركيبة الكاملة للمجتمع الموريتاني، ونقص المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وأن قانون العمل وحده يتضمن تعريفا للتمييز العنصري يشبه التعريف الوارد في الاتفاقية بينما كان ينبغي أن ينطبق على كل مجالات الحياة الاجتماعية، وقلق اللجنة من أن بعض المنظمات غير الحكومية لم تنل اعترافاً رسميا رغم طلبها ذلك، وقلقها من أن تشريع الدولة بشأن حرية الصحافة والأحزاب السياسية لا يفي بمقتضيات المادة (4) من الاتفاقية لأن أحكام القانون الجنائي لا تتصدى صراحة للتمييز العرقي أو الإثنى. وعدم تقديم معلومات عن تنفيذ الأمر رقم 091-024 الصادر في يوليو 1991. الذي يحظر على الأحزاب السياسية تحديد نفسها بعرق أو مجموعة إثنية أو منطقة أو قبيلة وإساءة تطبيقه أحياناً على بعض الأحزاب، وقلقها إزاء ما يدعى من التدنى الشديد لنسبة العرب السود (الحراطين) والأفارقة السود في الجيش والشرطة والإدارة والحكومة وغيرها من مؤسسات الدولة، واستمرار بقايا نظام الطبقات حيا في موريتانيا، وكذا استمرار الممارسات الشبيهة بالرق، وعدم وجود نص صريح في القانون الجنائي يعاقب على الرق، وعدم كفاية التدابير العملية المصممة خصيصاً لمكافحة الممارسات الشبيهة بالرق، وبقاء عدة الآلف من اللاجئين الموريتانيين السود في مالي والسنغال، وعدم استرداد أعداداً كبيرة ممن عادوا ممتلكاتهم، والقلق من قواعد اكتساب الجنسية للأطفال، وانتشار عادة ختان الإناث بين بعض الجماعات الإثنية، وعدم اتخاذ تدابير لإدراج اللغات الخاصة بالجماعات الإثنية في المناهج الدراسية. وعدم كفاية فرص الانتصاف المتاحة لضحايا التميز العنصري.

وأوردت اللجنة توصيات تتعلق بكل هذه القضايا، كما أضافت توصيات أخرى تتعلق بدعوة موريتانيا بان تضع في اعتبارها التدابير المتخذة لتنفيذ إعلان وبرنامج عمل ديربان. وأن تصادق على التعديل الذي أدخل على الاتفاقية، ودعوتها لإعلان التزامها بالمادة (14) من الاتفاقية.

وتضمنت الملاحظات الخاصة بالبحرين قلق اللجنة من تعبير وفد البحرين عن عدم وجود تمييز عنصري في البحرين بينما لا تخلو دولة من ذلك، وعدم تقديم الدولة معلومات وافية عن التكوين السكاني للبلاد، وعدم كفاية استجابة القانون الأساسي والمراسيم الملكية، والمواثيق الصادرة عن الدولة لمتطلبات الاتفاقية، وعدم وجود مؤسسة وطنية في البحرين، وقلقها بصفة خاصة من منع مركز البحرين لحقوق الإنسان، وقلقها من أوضاع العمال المهاجرين وادعاءات الإجحاف المتواصل بعاملات الخدمة المنزلية وعدم استفادتهم من حماية قانون العمل. وقلقها للمعاملة التمييزية التي يتعرض لها أعضاء بعض الجماعات وبخاصة الشيعة، وعدم قدرة المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي على إتاحة جنسيتها لأبنائها. وقد أوردت اللجنة توصيات تتعلق بكل الملاحظات التي أثارتها كما أوصت الدولة بالتصديق على العهدين الدوليين، واتفاقية حماية جميع العمال المهاجرين، ومراعاة إعلان وبرامج عمل ديربان. والتشاور مع المنظمات غير الحكومية عند إعداد التقارير، وإعلان التزامها بالمادة (14) من الاتفاقية.

وتناولت دواعي القلق والتوصيات الخاصة بعمان إشارة إلى التباين بين تأكيد الدولة بأن المجتمع العماني متجانس من الناحية العرقية والمعلومات التي تفيد أن السكان يضمون جماعات عرقية مختلفة، وأن القانون الأساس للدولة المتعلق بالمساواة وعدم التمييز لا يدرج "العرق" أو النسب" أو الأصل القومي أو العرقي ضمن أسس التمييز المحظورة. وأن التقرير لا يتضمن معلومات كافية عن التدابير التشريعية والقضائية والإدارية لتنفيذ الالتزامات الواردة في الاتفاقية. وأن نطاق المادة 130 مكرر من القانون الجنائي العماني، التي تجرم أى دعوة إلى التمييز العنصري لا تكفل فرض عقوبة رادعة في حالة الإتيان بأفعال تنطوي على تمييز، وقلق اللجنة من تأكيد الدولة أنها لا تحتاج لاتخاذ تدابير بحظر تكوين منظمات تروج للتمييز العنصري استناداً إلى أنه لا وجود لمثل هذه المنظمات على أرضها، وقلقها من أن القانون الأساسي للدولة ينص على أن " المواطنين" فقط متساوون أمام القانون ويحق لهم ممارسة حقوقهم دون تمييز. ولاحظت أن التقرير لم يقدم معلومات كافية عن التدابير المعتمدة لضمان تمتع شتى الجماعات الإثنية والعمال المهاجرين تمتعا فعلياً وعلى قدم المساواة بالحقوق التي تكفلها لهم الاتفاقية. وقلقها من أن قانون الجنسية العماني لا يمنح المواطنة لأطفال النساء المتزوجات من غير المواطنين.

وقد أصدرت اللجنة توصيات تتعلق بالموضوعات التي أثارتها، كما أضافت توصيات أخرى تتعلق بدعوة الدولة للتصديق على التعديلات التي أدخلت على الاتفاقية عام 1992، وإعلان التزامها بالمادة (14) من الاتفاقية، والانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وأن تدرج في تقاريرها التدابير المتخذة لتنفيذ إعلان وبرنامج عمل ديربان.

وتناولت دواعي القلق والتوصيات الخاصة باليمن إشارة إلى التباين بين ما وضحه التقرير من أن المجتمع اليمنى متجانس إثنيا، ومعلومات اللجنة عن وجود جماعات تتعرض للتمييز على أساس النسب أو الثقافة ومنها جماعة الأخدام، وعدم وجود تعريف للتمييز العنصري في التشريع الوطني، وعدم وضوح مركز الاتفاقية في القانون الوطني، وعدم وجود تشريع شامل لمنع وحظر التمييز العنصري، وعدم وجود نص جزائى صريح يجرم ويعاقب جميع أشكال التمييز والأنشطة المحظورة بموجب الاتفاقية، وعدم سحب اليمن تحفظه على المادة (5) ج، د، و(4)، (6)، (7) من الاتفاقية. وعدم وجود تشريع وطني يعَرف على وجه التحديد حقوق اللاجئين، والصعوبات التي تواجهها جماعة الأخدام.

وقد أوردت اللجنة عدة توصيات بشأن الملاحظات التي أثارتها، كما أوردت توصيات تدعو الدولة للإعلان عن التزامها الاختياري بالمادة (14) من الاتفاقية، ومراعاة الجوانب ذات الصلة بإعلان وبرنامج عمل ديربان، والتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، والتشاور مع المنظمات غير الحكومية عند إعداد التقارير الدورية.

وقد نظرت اللجنة خلال الفترة من 22-23 فبراير/شباط 2007 التقارير الدورية لإسرائيل من العاشر إلى الثالث عشر والتي قدمت في تقرير واحد، ونعالج نتائج مناقشتها هنا كسلطة احتلال لفلسطين.
وقد أعربت اللجنة عن بواعث قلقها التالي:
· إنكار حق العودة للفلسطينيين واستعادة أراضيهم.
· قانون المواطنة الإسرائيلي (الأمر المؤقت) والصادر في 31 مايو/أيار 2003 الذي يعلق منح الجنسية الإسرائيلية وتصاريح الإقامة في إسرائيل بما فيها لم الشمل والإقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة لما له من تأثير غير متكافئ على المواطنين العرب الراغبين في الاجتماع بأسرهم في إسرائيل، وتجديد هذه الإجراءات المؤقتة بشكل منهجي وتوسيعها لتصنف بعض المواطنين "بأعداء الدولة"، وهو ما يتناقض ومبادئ الاتفاقية.
· إن الخدمة العسكرية تتيح فرص الحصول على الخدمات العامة في مجالات مثل السكن والتعليم وهذه السياسة لا تتفق وأحكام الاتفاقية في ضوء أن أغلب المواطنين العرب لا يؤدون الخدمة العسكرية.
· الفصل الواضح بين العرب واليهود خاصة في مجالات الإسكان والتعليم وهو ما يترتب عليه عدم المساواة في المعاملة والتمويل. المادة (3,5,7).
· المستوى المتدني لتعليم المواطنين العرب والذي يمثل عائقاً أمام فرصهم في الالتحاق بالوظائف كما يؤثر على متوسط الدخل الذي يكون عادة أقل من المواطن الإسرائيلي. والتعارض القائم بين معدلات وفيات الأطفال من اليهود وغير اليهود وحقيقة أن الأقليات من النساء والأطفال الإناث الأكثر تضرراً (المواد 5,2/د).
· الاختبارات النفسية التي تهدف إلي قياس الذكاء والإمكانيات والمهارات الشخصية والتي تمثل تمييزاً غير مباشر حيال العرب يحد من التحاقهم بالتعليم العالي (المواد 5,2/د).
· إنشاء مراكز يهودية ثقافية بموجب قوانين، وعدم إنشاء أي مراكز ثقافية للمواطنين العرب فضلاً عن عدم تمتع الأماكن الدينية المقدسة العربية بنفس الحماية التي تتمتع بها نظيرتها اليهودية لهذا الشأن.
· عدم تقديم معلومات مفصلة حول عدد من الشكاوى والتحقيقات والاتهامات والدعاوى تتصل بأعمال مجرمة بموجب المواد A-E 133 و 144 من قانون العقوبات، وتبني النائب العام سياسة تمييزية فيما يخص الاتهامات الموجه للمسئولين الحكوميين وغيرهم من الشخصيات العامة التي تتبنى خطاب يتسم بالكراهية حيال الأقلية العربية بزعم كفالة حريات الرأي.
· الإدعاء بعدم انطباق أحكام الاتفاقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة ومرتفعات الجولان، بخلاف ما أكدته محكمة العدل الدولية. وتكرر اللجنة تأكيدها أن المستوطنات الإسرائيلية غبر شرعية بموجب القانون الدولي.
· تجاهل الدولة ورفضها الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص الآثار القانونية المترتبة على بناء الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
· القيود القاسية والصارمة المفروضة على التنقل في الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال بناء الجدار ونقاط التفتيش والطرق المحظورة ونظام إصدار التصاريح والذي يؤدي إلي خلق صعوبات جمة فضلاً عن تأثيره التمييزي على ممارسة الفلسطينيين لكافة حقوقهم وبوجه خاص حقهم في حرية الانتقال والحياة الأسرية والعمل والتعليم والصحة.
· التوزيع غير العادل لمصادر المياه وهدم منازل الفلسطينيين والاعتقال لآجال طويلة والعقوبات القاسية بحق الفلسطينيين بنفس الجرائم التي يرتكبها الإسرائيليين.
· الحفريات التي تقوم بها إسرائيل أسفل المسجد الأقصى والتلف الذي يتعذر إصلاحه والذي قد يلحق بالمسجد.
· عنف المستوطنين المتواصل تجاه العرب وخاصة في الجليل.

وقد طالبت اللجنة إسرائيل بإلغاء كافة أشكال التمييز العنصري وتسهيل عودة اللاجئين لديارهم وممتلكاتهم وتشريع الحق في المساواة بين المواطنين كقاعدة أساسية وعامة تحكم مشروعية القوانين الداخلية الإسرائيلية.

كما طالبت اللجنة إسرائيل أن تلزم هيئاتها العالمية المساندة لها مثل الصهيونية العالمية والصندوق القومي اليهودي ودائرة أراضي إسرائيل بإدارة واحترام الحقوق المتصلة بالأرض وبالسكن وبالخدمات دون تمييز (الفقرات 16-21)، كما أوصت اللجنة بأن تعريف إسرائيل لنفسها كدولة يهودية القومية، لا يجب أن يسوغ أو يؤدي إلي شكل من أشكال التمييز العنصري المنهج بسبب العرق أو الدين أو السلالة أو النسب أو القومية أو الأصل الإثني.

ثانيا: تقييم البلدان العربية لجهودها في تنفيذ إعلان وبرنامج عمل ديربان (الرد على الاستبيان الموجه من اللجنة التحضيرية للمؤتمر)
أعدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان استبياناً تم توجيهه إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ويهدف إلي قياس التقدم المحرز في الجهود الدولية لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب، وتقييم التزام الدول بتنفيذ إعلان وبرنامج عمل ديربان، وقد تضمن الاستبيان الأسئلة التالية:
1- هل وضعت الدولة خطة عمل لمكافحة العنصرية أو التمييز العنصري أو كراهية الأجانب أو لتعزيز عدم التمييز والمساواة؟ 2- وهل وضعت الدولة سياسات محددة لمكافحة هذه الظواهر؟ 3- هل وضعت أشكالاً محددة للتعاون مع الهيئات أو المراكز الإقليمية التي تعمل في هذا الشأن؟ 4- وهل اتخذت تدابير لمكافحة نشر العنصرية على شبكة الإنترنت ولتشجيع الاستخدام الإيجابي للإنترنت من أحل تعزيز التجانس الاجتماعي؟ 5- هل اتخذت أي إجراء آخر لمكافحة العنصرية أو التمييز العنصري؟ كما دعا الاستبيان الدول إلى تحديد الممارسات الجيدة التي تحققت في مجال مكافحة العنصرية.

وعلى المستوى العربي قامت ثمان دول بالرد على الاستبيان وهى الجزائر ومصر وقطر ولبنان وليبيا وسوريا والكويت والمغرب، وأبرزت الردود أن دساتير هذه الدول تكفل المساواة أمام القانون وتخلو من أية نصوص تحث على التمييز العنصري وكراهية الأجانب وتحظر جميع إشكال الرق والسخرة والاستغلال الجنسي، فضلاً عن مصادقة الدول الثمان على الاتفاقية الدولية لمنع التمييز العنصري.

وأفادت حكومة الجزائر أن مكافحة الاتجار في البشر تعد أحد الإجراءات التي اتخذتها للقضاء على التمييز العنصري، كما أنها تقبل اللاجئين من مختلف أنحاء العالم وتتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في هذا الشأن، وتتبني برامج التنمية التي تهدف إلى مكافحة الفقر المدقع ومساعدة الفقراء. وأنشأت اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وتطوير حقوق الإنسان بموجب مرسوم صادر في 2001 وتم تعديله في العام 2002.

وأكدت الحكومة المصرية التزام مصر بالتطبيق الكامل لإعلان وبرنامج عمل ديربان وقد اتخذت مصر عدد من الإجراءات للقضاء على التمييز العنصري من بينها نشر ثقافة التسامح في المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، وتطوير حقوق الإنسان من خلال منظمات المجتمع المدني، وتدريب العاملين في قطاع العدالة الجنائية، فضلاً عن الدور الذي يلعبه الإعلام في هذا الشأن، وإنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي يسهم في الإصلاح القانوني والدستوري.
وأوضحت الحكومة المصرية ضرورة قيام مجلس حقوق الإنسان الدولي بمتابعة جميع الآليات والفرق العاملة، وتعزيز الجهود الوطنية والدولية لمكافحة العنصرية، وأن يلعب دورا حاسما في تطبيق إعلان وبرنامج عمل ديربان، ومواجهة الثغرات القانونية والإجرائية التي تحول دون توفير الحماية الكاملة للجماعات المستضعفة. وأكدت مصر وجود قضايا أخرى يجب طرحها ومن ضمنها ازدراء الأديان والاحتلالات الأجنبية.

وأفادت حكومة لبنان أن وزارة العمل في لبنان تولي الاهتمام الواجب للجهود العالمية الرامية إلى القضاء التام على العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب في إطار عدم التمييز أو المفاضلة بين المواطنين والأجانب المقيمين إقامة شرعية في لبنان. وأن المساواة أمام القانون في مجال العمالة منصوص عليها في مدونة العمل بصيغتها المعدلة بموجب القانون رقم 207 المؤرخ في 26 مايو 2006 الذي ينص على أنه لا يجوز لأي صاحب عمل أن يميز بين الجنسين بالنسبة لنوع العمل أو الأجر أو المركز الوظيفي أو الترقية أو التدريب المهني.

وأوضحت قطر أنها اتخذت إجراءات تضمن التعددية في إطار النظام القانوني والسياسي، كما أن المعاهدات الدولية لها نفس قوة القانون الوطني، كما أوضحت أنه يجري العمل الآن على إعداد خطة وطنية لتعزيز حقوق الإنسان، تتضمن خطة فرعية وقائية لمكافحة التمييز العنصري كما تهدف إلى تعزيز التعددية والمساواة والعدالة الاجتماعية والمشاركة وتهيئة البيئة المناسبة للجميع للمشاركة في صنع القرار، كما يجري إعداد قوانين لحماية عمال الخدمة المنزلية.

وأفادت الحكومية السورية أن سوريا لا تعاني من مشكلة التمييز العنصري، وأنها اتخذت إجراءات لمنع التمييز، من بينها وضع خطة خمسيه لمواجهة قضايا مثل احترام التعددية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتبنى سوريا شراكة مع منظمات المجتمع المدني لتنفيذ برامج حقوق الإنسان وترصد الحكومة ظاهرة التمييز العنصري لتكون مستعدة للمواجهة في حال وجود أية قضايا يجب مناقشتها أو تطوير استراتيجيات بشأنها، كما تم إنشاء لجنة متخصصة تعكف حاليا على إعداد مسودتين لقانوني الهجرة واللجوء.

وأفادت الحكومة الليبية أنه على الرغم من خلو ليبيا من الممارسات العنصرية إلا أنها تكافح الأنظمة العنصرية وممارساتها ضد الشعوب الأفريقية، وتفرق ليبيا بين العنصرية وحرية التعبير، وهي تواجه حالياً شكل جديد من أشكال العنصرية يمارس ضد عمال الخدمة المنزلية.

وأفادت المملكة المغربية أن المشرع المغربي أدمج أحكام الاتفاقية في القانون الجنائي، وأن المغرب تحيل تقاريرها إلي لجنة مكافحة العنصرية بانتظام، وأصبح تعليم حقوق الإنسان جزءاً من المناهج الدراسية.

تبنت المغرب وطبقت خطة وطنية للمساواة بين الرجال والنساء، وأخرى لتعليم حقوق الإنسان ونشر ثقافة تكافح التمييز العنصري، كما وضعت عدد من البرامج لتعزيز الحماية للبربر والثقافة الامازيغية، واتخذت إجراءات لمكافحة الفقر المدقع، وطورت سياسات لتنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية، ونفذت وتنفذ برامج خاصة لتنمية القرى ومكافحة الجهل، وشكلت المجلس الاستشاري الملكي لشؤون الصحارى، وأدمجت كافة قطاعات المجتمع في الخطة الوطنية للديمقراطية، كما عدلت أغلب التشريعات ذات الصلة بالعنصرية و قوانين العمل والإعلام والأحزاب السياسية الأسرة وحماية اللاجئين من التمييز.

وأكدت حكومة الكويت انها ما فتئت تعرب عن قلقها العميق إزاء جميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري، بما في ذلك أعمال العنف وكراهية الأجانب التي ترتكب بدوافع عنصرية وعن إدانتها القاطعة لجميع تلك الأشكال. وأفادت بأنها تكفل خلو التدابير المتخدة لمكافحة الإرهاب على المستوى الوطني من التمييز على أساس الجنس أو الدين أو الأصل سواء من حيث الغرض من تلك التدابير أو أثرها، وأنها اتخذت تدابير تشريعية وتنظيمية وإدارية ملائمة لمنع الأفعال المنطوية على العنصرية وعلى التمييز العنصري. وينص الدستور الكويتي في مادتيه 7 و29 على مبدأي المساواة والحرية، ولا ترد في أى تشريع احكام تتعارض مع هاتين المادتين.

ثالثا : إشكاليات العنصرية والتمييز في العالم العربي
تعانى المجتمعات العربية من ظاهرات عديدة تتعلق بالممارسات العنصرية والتمييز العنصري والخوف من الأجانب، شأن كثير من بلدان العالم، لكنها تنفرد بظاهرات لا يكاد يوجد لها نظير في العالم مثل الطابع المؤسسي للعنصرية الذي يعانى منه الشعب الفلسطيني والذي تفرد له هذه الدراسة قسماً خاصاً.

وتتميز بعض هذه الظاهرات بحدة أطلقت نزاعات عسكرية عنيفة راح ضحيتها أعداد كبيرة من القتلى والجرحى وتشريد أعداد كبيرة من المواطنين، ونزوح ولجوء ملايين من الأشخاص. ويوصف بعض هذه النزاعات بأنه أطول نزاع في تاريخ القارة الأفريقية مثل مشكلة جنوب السودان، كما يوصف بعضها بأنه الأكثر دموية مثل صراع درافور وتأخذ بعض هذه الظاهرات طابعاً مزمنا، جراء الإهمال، أو السياسات القمعية، أو التدخل الخارجي، وأصبحت تهدد وحدة التراب الوطني في بعض البلدان.

ويأخذ بعض هذه الظاهرات طابعاً متنامياً في مخاطره، واتساع نطاقه الجغرافي مثل الصراعات الإثنية والقبلية والاجتماعية التي أفرزت أنماطاً من الحلول مثل المحاصصة الطائفية التي تكرس الهويات الأولية كمعيار لتولى المناصب الرئيسية للدولة بدلا من الكفاءة، وتعمق التمييز في إدارة شئون الدولة، وتعرقل بناء الدولة الحديثة القائمة على مبدأ المساواة أمام القانون.

العمالة المهاجرة:
يمثل نمط التعامل مع الأجانب والمهاجرين نمطاً مؤسفاً في الواقع العربي ويتبدى أبرز مظاهره فيما يسمى "بنظام الكفيل" في البلدان الخليجية الذي يخضع العاملين الأجانب لإجراءات تمييزية مهينة تبدأ بالتحفظ على جواز سفره، وتقييد حركته، والهيمنة على قدرته في الانتقال إلى عمل آخر، وإمكان ترحيله إذا ما وقع خلاف معه. وتفتح هذه الإجراءات مجالاً واسعاً لاستغلال الكفلاء لمكفوليهم من العاملين، كما تفتح الباب واسعاً لما أصبح يعرف في بعض البلدان الخليجية "بتجارة الإقامات" ولا توفر نظم العدالة المحلية إمكانيات واقعية للإنصاف سواء بمتطلباتها المادية الكبيرة التي تؤثر على قدرة العاملين في الوصول إلى العدالة، أو في إجراءاتها الطويلة التي تقوض عمليا إمكانية العاملين نظراً لصعوبات البقاء للمتابعة.

ويثير نظام الكفيل الكثير من النزاعات، خاصة في البلدان التي تستوعب أعداداً كبيرة من العاملين، كما ’يعرَض البلدان الخليجية للكثير من النقد من جانب دوائر حقوق الإنسان في هيئات الأمم المتحدة، أو غير الحكومية الدولية والإقليمية والمحلية، وتثار أحياناً انتقادات حادة من جانب الهيئات التمثيلية في بعض بلدان الخليج، خاصة في سياق الأزمات التي تترتب عليها.
لكن لم تحدث مقاربات جدية من جانب الحكومات العربية لمعالجة هذه الظاهرات، باستثناء بعض المعالجات الجزئية في الإمارات، وإن كانت البحرين تبذل مساعي لمراجعة هذه السياسات.

وتبرز من بين إشكاليات العمالة المهاجرة ظاهرة عاملات الخدمة المنزلية، وتتوزع هذه المشكلة بين ثلاث أطراف هم: الأطراف المستقبلة لهذه العمالة وتتركز أساساً في بلدان مجلس التعاون الخليجي الست وكل من الأردن ولبنان، والدول المصدرة لهذه العمالة وتتركز أساساً في ست بلدان آسيوية هي أندونيسيا والفلبين وسيريلانكا وبنجالاديش وتايلاند والهند، ويتمثل الطرف الثالث في شركات استقدام هذه العمالة، ويتحمل ثلاثتهم مسئولية أوجه انتهاكات حقوق هذه الفئة بدرجات متفاوتة، بينما يقع النقد الدولي عادة على البلدان المستضيفة.

وتتعرض هذه الفئة من العاملات لشتى أنواع الانتهاكات بدءًا مما يوصف بالاتجار بالبشر حيث يتم استدراج بعضهن إلى أعمال مخلة بالآداب بعد أن يكن قد تعاقدن مع شركات الاستقدام على أعمال الخدمة المنزلية، كما يتعرضن للانتقاص من أجورهن، وزيادة ساعات العمل، والمعاملة القاسية، والتحرش الجنسي. ويقوض من قدراتهن على حماية أنفسهن ثلاثة عوامل رئيسية: أولها عدم امتداد مظلة الحماية القانونية لهن طبقا لقوانين العمل المطبقة، وثانيها طابع العزلة الذي يمارسن فيه عملهن في خدمة مخدوميهن، بخلاف مجالات العمل الأخرى التي تتيح الوجود مع عاملين آخرين، وثالثها بيئة العمل التي تتيح العقاب البدني والتحرش الجنسي، وإمكانية تعرضهن لاتهامات من جانب مخدوميهن بالسرقة أو مخالفة القوانين. هذا فضلا عن صعوبات الوصول إلى العدالة التي يشاركن فيها أقرانهن من العاملين فى المجالات الأخرى.

وتقوم بعض البلدان المستقدمة للعمالة بمعالجة بعض الظاهرات الأكثر حدة فى مشكلة عاملات الخدمة المنزلية مثل توفير ملاذات آمنة للعاملات اللاتى يتعرضن للعنف، أوتوفير الانصاف لبعض الضحايا، أو زيادة المراقبة على شركات الاستقدام، وذهبت الأردن إلى وضع شروط مناسبة لعقود العمل لا يجوز الانتقاص منها. كما بدأت الأمم المتحدة تزيد من اهتمامها بهذه المشكلة. لكن ما لم يتم اتخاذ مبادرة شاملة تجمع بين أطراف المشكلة الثلاث وهى الدول المستقدمة للعمالة والمصدرة لها وشركات الاستقدام، ومد مظلة الحماية القانونية لهذه الفئات، فلن يكون هناك مجالا لحل هذه المشكلة.

ولا تتوقف مشكلات العمالة المهاجرة فى البلدان العربية عند وضعها كدول مستقبلة لهذه العمالة فحسب، فهناك بلدان مصدرة لهذه العمالة مثل مصر والسودان وهناك أخرى تحولت إلى معبر للعمالة المهاجرة وخاصة تلك المتوجهة إلى أوروبا مثل مصر وليبيا والمغرب وموريتانيا.

وتواجه العمالة المهاجرة في هذا السياق أوجه كثيرة من الانتهاكات، فمع نقص التنمية وفرص العمل وانتشار البطالة وضعف الأجور من ناحية، والقيود التي تفرضها الدول الأوروبية على استقبال العمال المهاجرين من ناحية أخرى برزت ظاهرة الهجرة غير النظامية لبعض البلدان العربية كدول طاردة للعمالة، أو كممرات عبور، وواجه العمال المهاجرين صنوفا من المخاطر والانتهاكات العميقة، ضاعف منها عملية التمييز العنصري التي استشرت في سياق مكافحة الإرهاب.

وتتمثل أبرز مظاهر الانتهاكات التي تتعرض لها هذه الفئة فى أعمال العنف والاحتيال التى يتعرض لها الآف من الشباب العربي في سياق السعي للهجرة غير النظامية، والتي أفضت ليس فقط إلى الاستغلال المالي، ولكن إلى تعريض حياتهم للخطر الجسيم فانتشرت "النعوش العائمة" وهى القوارب والسفن غير الآمنة التي توفرها عصابات التهريب لنقل العمال المهاجرين إلى سواحل أوروبا. وقد راح ضحيتها الآف من هؤلاء الشباب، وتعرض آخرون إلى الاعتقال والتحقيق وسوء المعاملة في سياق مخالفتهم للقوانين المحلية في رحلة العبور أو بلد الوصول إذ شددت البلدان الأوروبية من إجراءاتها القانونية والإدارية لمنع وصول هؤلاء إليها، أو إعادتهم.

وقد أجريت بعض المقاربات الجزئية في السعي لإيجاد حلول لهذه المشكلات مثل إجراء تعاقدات حول قبول دفعات من العاملين للعمل الموسمي، يتم ترحيل العاملين بعد انتهائها، كما أجريت حوارات حول وضع حلول شاملة لهذه الظاهرة مثل تقديم معونات للتنمية تساعد على استيعاب العمالة فى البلدان المصدرة، لكن لم تتخذ خطوات عملية لإنجاز هذه المبادرات وانطوت بعض هذه المبادرات على أوضاع تمييزية مثل إقامة مراكز استقبال فى دول العبور يتم الاختيار منها لقبول بعض الفئات واستبعاد أخرى، ولم تظهر آثار جدية للمعالجة الشاملة لمساعدات التنمية، وربما تتقوض مثل هذه الجهود على المدى القريب تحت وطأة الأزمة المالية الدولية، ومظاهر الركود التى تتعرض لها اقتصادات الدول الغربية.

عديمو الجنسية (البدون)
رغم انشغال معايير حقوق الإنسان الدولية مبكرا بإشكاليات عديمي الجنسية لما تنطوي عليها من مشاكل جسيمة للأفراد، والمجتمعات. فمن المؤسف أن بلداننا العربية تعانى من بعض مظاهرها الحادة ممن يطلق عليهم "البدون" وخاصة في بلدان الخليج.

وتشمل هذه الظاهرة مئات الآلاف من الأفراد يقيمون في البلاد بشكل متصل ولأجيال متعاقبة، لكن لا تعترف الحكومات بانتمائهم إلى جنسية هذه البلدان. وقد تفاقمت هذه الظاهرة بعد تحقيق هذه البلدان الكثير من الازدهار الاقتصادي، وقدرتها على توفير أوجه الرفاه الاجتماعي لمواطنيها حيث أصبح حمل جنسيتها وصفة مواطنتها تعنى العديد من المزايا الاقتصادية والاجتماعية في توزيع الأراضي، والإقراض من البنوك، وخدمات الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات الاجتماعية. كما زاد من حدتها أحياناً انغماس أطراف من فئة البدون في اتخاذ إجراءات معادية للدولة مثل تأييد فئة من بدون الكويت أثناء الاحتلال العراقي للكويت عام 1990، فاتخذت دولة الكويت عقب التحرير إجراءات عقابية متشددة ضد كل البدون.

التمييز ضد النساء
تعانى النساء العربيات بشكل عام من عدم المساواة بينهن وبين الرجال فى القانون وفى الواقع، وعلى الرغم من الجهود للنهوض بوضع المرأة العربية والتحسن النسبي الذي حققته، تظل هناك مجالات عديدة تتعثر فيها هذه الجهود، وتكمن إجمالا في المشاركة السياسية للمرأة، وتطوير قوانين الأحوال الشخصية، وإدماج المرأة فى عملية التنمية، وحرمان المرأة المتزوجة من أجنبي من منح جنسيتها لأبنائها. وعجز النظام التشريعي القائم عن كفالة الحماية للنساء في مجال العنف في الوسط العائلي أو العنف الصادر عن الدولة أو المجتمع. ويبلغ العنف ضد النساء ذروته في مناطق تراكم الأزمات بالاحتلالات والنزاعات المسلحة خاصة في فلسطين والعراق والسودان والصومال.

ولا تكمن مصادر التمييز ضد المرأة في السياسات الحكومية فحسب، بل تتكرس بقدر مماثل من جانب المجتمع. وفى إحدى الحالات عرقلت قوى اجتماعية فى الكويت مشروعات قوانين أعدتها الحكومة لنيل المرأة حقها فى المشاركة السياسية، وحين أمكن تقنين الحق فى المشاركة فى نهاية الأمر، لم يتح المجتمع دخول سيدة كويتية للبرلمان بالانتخاب. وفى بلد آخر مثل مصر تمارس فيه النساء حقوقهن الانتخابية منذ عقود يبلغ تمثيل النساء في مجلس الشعب المصري نحو 2%.

مكافحة الأشكال الشبيهة بالرق
بانتهاء حرب جنوب السودان توقفت الادعاءات الخاصة بممارسة الرق التي تعرض لها السودان جراء معاملة القبائل للأسرى في سياق الاقتتال.

وواصلت حكومة موريتانيا تعزيز جهودها لمكافحة آثار الرق، الذي كان قد تم حظره قانوناً في نوفمبر/تشرين ثان 1981 لكن بقيت بعض آثاره في ضوء عجز النظام الاقتصادي الاجتماعي عن امتصاص آثاره وخاصة في بعض المناطق الريفية، وكذلك بسبب عدم إصدار قانون تنفيذي لقانون 1981.

وفى تطور إيجابي أقر المجلس التشريعي الموريتاني في 8 أغسطس/آب 2007 قانوناً تقدمت به الحكومة حول تجريم ومعاقبة الذين يقترفون هذه الجريمة. وبموجب القانون الجديد يواجه الأشخاص المدانون بالاسترقاق أحكاماً بالسجن تتراوح بين خمس وعشر سنوات.
كذلك شهدت البلدان العربية توجهات إيجابية في مواجهة الممارسات الشبيهة بالرق. فاهتمت بالإدعاءات المتعلقة بـ"الاتجار بالبشر"، وأجرت حوارات مع مقرري الأمم المتحدة المعنيين بهذه الظاهرة، وشرع بعضها في إصدار تشريعات لمكافحة هذه الظاهرة وإنشاء آليات مختصة بمواجهتها وإعداد تقارير عنها، واتخاذ إجراءات تنفيذية حيالها.

التمييز الإثنى:
يتعامل هذا القسم مع مصطلح الجماعة الإثنية باعتبارها الجماعة التي يشترك أفرادها في واحد أو أكثر من عناصر اللغة والدين والطائفة، ويملكون الوعي بخواصهم المشتركة تلك وغيرها من العوامل التي تجعل من الجماعة الإثنية "معطاة" وليس كعلاقة يمكن العدول عنها مثل الانتساب للجماعة عن طريق الميلاد أو التاريخ المشترك أو الوطن أو ذكرى الوطن.

كما يقتصر تعامل هذا القسم على التفاعل مع قضية الجماعات الإثنية من منظور مكافحة التمييز أي مدى ما يتعرضون له من تمييز، ومدى التقدم في إزالة أوجه التمييز.

وتلاحظ الدراسة أنه طرأ تحسن كبير على واقع التمييز الإثنى في العالم العربي، والذي كانت أبرز تجلياته هي النزاع المحتدم في جنوب السودان، وإرث أزمة ذوى الأصول السنغالية فى موريتانيا، والتوترات التي سادت المجتمع الأمازيغى فى علاقته مع الدولة في الجزائر.
وقد تحقق التقدم فى جنوب السودان بفضل اتفاقية سلام الجنوب وملحقاتها، والتي أعادت توزيع السلطة والثروة بين الشمال والجنوب، وأقرت بحق تقرير المصير للجنوبيين فى إطار فترة زمنية محددة يتم فى نهايتها إجراء استفتاء في الجنوب يختار فيه الجنوبيين بين الوحدة مع الشمال فى إطار صيغة فيدارلية أو الاستقلال التام.

وقد وضعت اتفاقية سلام الجنوب حداً لأطول نزاع عرفته القارة الأفريقية، لكن قبل أن ينعم السودان بالاستقرار تفجرت أزمة دارفور فى العام 2002، واتسع مداها إلى حد خطير حتى أصبحت توصف بأنها أكثر النزاعات الراهنة دموية بحجم ما سقط فيها من ضحايا وما ترتب عليها من تشريد ونزوح ولجوء، وما ارتكب خلالها من جرائم حرب.

تجمع التحليلات على أن جذور مشكلة دارفور تكمن في التمييز الذي تعرض له أبناء دارفور، والذي عانوا منه لعقود من التهميش الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والنقص الحاد في المرافق والخدمات، لكن عدا الإجماع على هذا البعد تتضارب التحليلات، فيذهب بعضها إلى اعتباره تمييزا عنصريا ونزاعا بين العرب والأفارقة، كما يذهب البعض إلى اعتباره مؤامرة دولية تستهدف تقويض نظام الحكم فى السودان والإمعان فى تقسيمه بعد أن نجح اتفاق سلام الجنوب فى طرح خيار الانفصال.

لكن لا تتفق هذه الورقة مع رؤية الصراع في سياق التمييز العنصري، فبعد قرون من الانصهار العميق بين العرب والأفارقة عبر المصاهرة والأنساب والاختلاط لم يعد من الممكن التمييز بين العرب والأفارقة، وهو ما يختلف عن بلدان أفريقية أخرى مثل رواندا وبورندي، بل وكان الجيش السوداني الذي حارب فى الجنوب يعتمد فى تشكيله على أبناء دارفور وهو أمر لا يستقيم معه تقسيم أبناء الإقليم إلى عرب وأفارقة. وترى هذه الورقة أن هذا التمييز منطلق من النشاط الاقتصادي وليس الأصل العرقي. وبالقدر نفسه تذهب هذه الورقة إلى أن تفسير النزاع كمؤامرة دولية ضد السودان إنما يستخف بمكامن الداء. وأن النزاع الداخلي وسوء إدارة الأزمة هما اللذان جلبا التدخل الخارجي. وتظل المشكلة -في رؤية هذه الورقة- هي أزمة حكم، وأزمة تنمية، وأزمة ديمقراطية ويبقى مناط حلها متصلا بهذه المنطلقات الثلاثة.

ويتمثل التقدم الثاني الذي تحقق في معالجة إرث النزاع العرقي فى موريتانيا الذي نشب خلال الأعوام 1989-1991 والذي أفضى لأعمال قتل وتشريد عدد كبير من المواطنين الموريتانيين ذوى الأصول السنغالية ولجوء أعداد كبيرة منهم إلى السنغال ومصادرة ممتلكاتهم ومنعهم من العودة إلى بلدهم. وقد ظلت هذه المشكلة موضع انتقادات كبيرة للحكومة الموريتانية كما ظلت موضع نزاع سياسي كبير مع السنغال.

وقد اعترف الرئيس الموريتاني في 29 يونيو/حزيران 2007 بمسئولية الدولة عن الانتهاكات التي تعرض لها هؤلاء المواطنون ونظمت الحكومة لقاءات وطنية بدءا من 15 نوفمبر/تشرين ثان 2007 لمناقشة إعادة المبعدين خلال أشهر فى إطار خطة ترعاها المفوضية السامية لشئون اللاجئين في الأمم المتحدة، في سياق اتفاق ثلاثي بين موريتانيا والسنغال والمفوضية. كما أنشأت الحكومة آليات لتنفيذ هذا التوجه شمل توسيع اللجنة الوزارية المكلفة بهذا الموضوع، وإنشاء لجنة وطنية للتوجيه، ولجان جهوية ولجنة للحكماء، وإنشاء وكالة وطنية لدمج اللاجئين، كما أقرت في ميزانية العام 2008 موارد مالية لإنجاز هذه المهام، وأشركت منظمات المجتمع المدني في هذه الخطوات.

وبدأت طلائع اللاجئين في الوصول إلى الوطن الأم في شهر يناير 2008. وذكرت المصادر الصحفية الموريتانية أن العائدين سيستفيدون من برنامج طوارئ يتيح تزويد الرعاة بقطعان ماشية، والفلاحين بأراضي لتمكين العائدين من سبل البقاء.

ويأتي مشهد التقدم الثالث في مكافحة أشكال التمييز الإثنى فى الجزائر الذي كانت تشكو منه الجماعة الإمازيغية فبعد سلسلة توترات اجتماعية عبرت عن استياء المجتمع الإمازيغي في الجزائر على خلفية مطالب اقتصادية واجتماعية، وتحولت إلى مواجهة دامية راح ضحيتها 80 شخصا، شرعت الحكومة الجزائرية فى حوار مع "تنسيقية العروش"، تقدموا خلاله بمطالب عبر ما سمى "بلائحة القصر" استجابت الحكومة لأهمها، وهو الاعتراف بالإمازيغية كلغة وطنية وتم النص على ذلك في تعديل دستوري أجرى في العام 2002 يستكمل سلسلة من الإجراءات الإيجابية التدريجية كانت الحكومة قد بدأتها في التسعينيات.

لكن ظلت قضية التمييز الطائفي تمثل آفة مزمنة على الساحة العربية. فرغم أن الطائفية فى ذاتها لا يجوز استنكارها في سياق التنوع، وحريات التجمع والتعبير، فإن استفحالها واستبدالها بولاءات الدولة المدنية يشكل مشكلة جوهرية فى بناء الدولة الحديثة، كما تخلق أنماطا من التمييز لا يمكن تفاديها، كما يمكن أن تفضي إلى نزاعات أهلية بل وربما دولية.

ومن المؤسف أن المجتمعات العربية عانت السلبيات الثلاث، استفحال الظاهرة، وآثارها على تماسك المجتمعات العربية، وتحولها إلى نزاعات مسلحة. وأضافت معالجة بعض الحكومات العربية للمشكلات الطائفية بعداً رابعاً بسوء الإدارة وإدماجها في الصراعات الحزبية والسلطوية، فأطلقت كل سوءاتها. كما أضافت التدخلات الخارجية بعداً خامساً جعل من الطائفية خطراً داهماً.

تاريخيا وجد لبنان في "المحاصصة الطائفية" حلاً للنزاعات الداخلية وتوزيع السلطة والموارد، لكن ظلت هذه الصيغة تمثل أحد عوائق بناء الدولة الحديثة، كما مثلت بعداً رئيسياً من أبعاد الحرب الأهلية المريرة التي عانى المجتمع اللبناني من ويلاتها طيلة سبعة عشر عاماً منذ العام 1976، وبينما كان إلغاء الطائفية السياسية أحد عناصر اتفاق الطائف الذي يمثل قاعدة إنهاء الحرب الأهلية، فقد بقى عالقا دون تقدم، وبقى مصدراً للتمييز، كما بقى بمثابة "النار تحت الرماد" حتى أججته عوامل داخلية وخارجية من بينها تداعيات العلاقة مع سوريا، وحملة الاغتيالات السياسية التي طالت الرئيس الحريري، وتداعيات حرب تموز (يوليو) فى العام 2008. وإذ أكد مسار التطور السياسي بعد حرب تموز مرة أخرى إمكانيات استخدام الطائفية كوسيلة لتغطية نزاعات سياسية واجتماعية داخلية وخارجية، وأن الطائفية قادرة على شل الدولة، وربما الاستغناء عنها. وهى مخاوف موضع مناقشة مستورة، وأحيانا علنية على الساحة اللبنانية فى استخلاص دروس الأزمة الراهنة.

على الساحة العراقية، كما على الساحة اللبنانية، كانت الطائفية محركاً أساسياً للأوضاع. ودون إغراق فى الجدل المثار حول خبرة مرحلة الرئيس الراحل صدام حسين، فقد أدى الغزو الأمريكي للعراق، وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين، وتفكيك مؤسسات الدولة، وإعادة تركيبها على أساس "المحاصصة الطائفية" إلى إشعال نيران حرب طائفية لعبت فيها قوات الاحتلال دوراً رئيسياً، وأنزلت ويلات مدمرة على الشعب العراقي ككل، ليس أولها أعمال القتل واسعة النطاق والتطهير الطائفي والتعذيب، وليس آخرها تشريد ملايين المواطنين بين النزوح الداخلي واللجوء إلى الخارج. وأصبحت مصدرا للتمييز الفاحش وتحديا أمام مستقبل العراق، ووحدة ترابه الوطني. كما أطلقت موجات من التوتر في سائر أنحاء العالم العربي، تصنف الناس على أساس مذاهبهم وطوائفهم، أكثر مما تصنفهم على أساس رؤاهم السياسية وأفعالهم الاجتماعية.

وجنبا إلى جنب مع هذه المظاهر الحادة لم تسلم بلدان ومجتمعات عربية أخرى من الاحتقان الطائفي، حيث يثور جدل كبير فى البحرين، حول المكونات الطائفية لسلطة الدولة، وإدعاءات حول سياسات تجنيس تعمل على تغيير الأوزان النسبية للطوائف داخل المجتمع، كما تضمنت مطالب قيادات شيعية إلى العاهل السعودي مطالب تدعو لإزالة أوجه تمييز يشكو منها المواطنين الشيعة فى المملكة. ويدور نقاش أقل حدة في المجتمع الكويتي، يشتد أحيانا في سياق المنافسات السياسية لانتخابات مجلس الأمة. ولا يقتصر هذا النقاش على البلدان الخليجية فحسب، بل يمتد أيضاً إلى سوريا.

التمييز الديني:
بخلاف التقدم الذي أحرزته البلدان العربية في سياق مكافحة التمييز العرقي، فقد عانت البلدان العربية من جراء التمييز على أساس الدين، في ظاهرة مركبة تكتوي منها المجتمعات العربية.

ففي سياق أحداث الحادي عشر من سبتمبر اندلعت موجة من الكراهية العنصرية ضد شعوب الأمة العربية والإسلامية، ووقعت المجتمعات العربية تحت وطأة نظرة دونية تدمغ شعوب الأمة العربية، كجماعة قومية بالإرهاب وتزدرى دينهم ومعتقداتهم، وانخرط فى هذا التوجه زعماء سياسيين ومسئولين وكتاب ومفكرين وفنانين وقادة دينيين طرحوا صورة نمطية سلبية عن العرب والمسلمين أدت إلى إشاعة الكراهية العنصرية، وتعزز نمط التمييز العنصري في سياق مكافحة الإرهاب، وإخضاع البلدان العربية لوصاية دولية في صورة نمطية للعنصرية الكلاسيكية.

وفى سياق هذه الحالة تعززت مظاهر التطرف الديني وبلغت ذروتها في العراق تجاه بعض الطوائف المسيحية والزيدين، وأثارت احتقانا طائفيا في مجتمع مستقر مثل مصر. تطورت في سياقه وقائع احتكاكات اجتماعية تقليدية إلى وقائع عنف طائفية وأفرزت فئات متطرفة على الجانبين وضخمت أوجه التمييز غير المقبولة التي يشكو منها الأقباط المصريين. ودقت نواقيس الخطر أمام مجتمع يصر على التماسك الاجتماعي والتعايش المشترك. فانطلقت العديد من المبادرات الرامية إلى تصحيح أوجه الخلل شاركت فيها مؤسسات الدولة و المجتمع المدني، ويحسب للمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر جهده في هذا الشأن حيث أجرى حوارات متعمقة مع كافة الأطراف المعنية، وأعد مشروعات قوانين لإزالة كل أوجه التمييز وإعلاء قيمة المواطنة كأساس لتعامل بين المواطنين المصريين شملت مشروعا بقانون للبناء الموحد لدور العبادة، وآخر للمساواة وتكافؤ الفرص. ووسع مقترحاته لتشمل معالجة أوجه التمييز التي تعانى منها بعض الجماعات الدينية الصغيرة.
* * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق